إني كمثل أغلبية من حولي من طلبة الجامعات، أختار القليل جداً من الأعمال التي أقوم بها يومياً، وأفكر قليلاً قبل أداء تلك الأعمال، أو ربما لا أفكر إطلاقاً لأنها مقرّرة مسبقاً بأغلب تفاصيلها.. استيقاضي المبكر ، دراستي، ارتداء حجابي، السّياقة الى الجامعة، المجاملة والمصافحة والسلام ، حضور المحاضرات، طباعة أوراق، إرسال بريد، تناول الطعام، … إلخ. بمعنى أنني أعيش مرحلة عمرية مليئة بالتكاليف، حتى أنني أجرؤ على افتراض بأن ٩٠٪ مما أقوم به من أعمال هي أعمال إجبارية عليّ القيام بها سواء رغبت في ذلك أو لم أرغب. أقوم بفعلها بشكل تلقائي لأنها ضروريات سأندم على تركها.. وجدير بالذكر هنا أن كون هذه التكاليف إجبارية فهذا لا يعني بأنني لست مسرورة بفعلها أبداً، بل إنها أشبه في الوصف بالأنماط؛ أسير فيها يومياً بتفاصيل مشابهة جداً تملأ جميع ساعاتي..
هنا تأتي لذة الأعمال الحرّة، في خضم تلك التكاليف الخالية من معنى الاختيار، أجد الميول إلى التطوع والأنشطة في داخل وفي خارج الجامعة أصبح منفذاً واسعاً للحياة، الحياة بمعناها الشّاعريّ الأدبي.. فالتطوع هو أحد الأعمال “القليلة جداً” التي أقوم بها باختياري الحر! وهو ما يجعلها بالنسبة لي أعمالاً ذات معنى خاص، وذات لذة خاصة. أن أقوم بعمل لست مضطرة للقيام به، ولست مهددة بسوء إن تركته، هو أمر رائع بمعنى الروعة..
هذا الوصف الذي أكتبه هو إجابة لمن يسألني “كيف أضيف إلى تكاليفي وأعبائي اليومية أنشطة تثقل أوقاتي وتزيدها ضيقاً؟“.. هذه الأعباء الإضافية التي أقوم بها لا أراها سوى متنفس يعينني على قضاء حاجاتي الإجبارية الروتينية..
باختصار، إن التطوع هو تعويض للذة الاختيار الحر التي أفقدها في معظم أفعالي اليومية..
ناهيك عن جانب لذة الإنجاز والمشاركة والسعي للخير، التي لن أضيف شيئاً إن ذكرتها هنا، فالجميع يتحدث عنها ويلفت النظر إليها باستمرار
اختيار التطوع، هو أحد أوجه جماله التي لا تُذكر كثيراً.