أغلب المصادر التي حولنا تنبذ الشخصنة وتعتبرها عيباً، إلى أن في يوم من الأيام كنت في حوار مع صديقة بدوية قالت لي حرفياً أنها قد تقبل فعلاً من شخص وترفض ذات الفعل من شخص آخر. توقفت عند تصريحها الغريب لعدة ايام امتدت إلى شهور وثم إلى سنة. وقد علمت أن كلامها صحيح. ليس من الحكمة تفريغ المعطيات من العامل الشخصي. في تحقيق الأحاديث النبوية وعلم الأسانيد الذي نقل إلينا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، ظهر علم كامل يحقق في مصادر الحديث من الرجال يسمى علم الرجال. يهدف هذا العلم إلى قياس مدى أهلية رواة الأحاديث للنقل عنهم. وهنا كان البخاري رحمه الله عندها يرى رجلاً يخدع دابة له يعتبره تجريحا في شخصه ولا ينقل عنه حديثاً. إذا قسنا هذا الموقف بمقياس منطقي فهو لا يعتبر عملاً منطقياً لأن الحديث قد يكون صحيحاً رغم أن الرجل خدع الدابة. لكن الحكمة أن لا ينقل حديث ينسب إلى رسول الله من رجل يجيد الخداع. وهذا تجريح في الرجل شخصياً وهنا رفض البخاري نقل الحديث ليس لأسباب منطقية ككثرة نسيان الراوي وعدم دقته.. ولكن لسبب شخصي.
وفي بعد آخر.. في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر في سورة الكهف عندما أكثر موسى عليه السلام السؤال قال له سيدنا الخضر “إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً”. في هذا المثال كنت أتساءل دائماً، هل علينا دائما نسكت إن رأينا أحداً يخرق سفينة؟ هل السؤال وطلب التبرير عيب؟. ولكني الآن أعرف الإجابة. سيدنا الخضر آتاه الله علماً، ولذلك فهو لديه تزكية العلم. وبناء على هذا صاحبه موسى عليه السلام، ولذلك لم يكن له أن يسائله في رحلته معه، فالأمر هنا أيضا مشخصن، لو أن أحداً غير سيدنا الخضر فعل مافعله لكان السؤال جائزاً. ولذلك قال سيدنا الخضر لسيدنا موسى عليه السلام “لن تستطيع معي صبراً” و “كيف تصبر على مالم تحط به خبرا” لعلمه أن مصاحبة أهل العلم مع تصديقهم هو ابتلاء صعب.