لا تصح تسمية “طالب علم” على كثير من التلاميذ في مؤسسات التعليم النظامية الجامدة، لأن طالب العلم هو الساعي في الحصول على العلم والراغب فيه. و هذا لا يتحقق في الأنظمة التدريسية التي تطرح برنامجاً معدّاً مسبقاً يجيب عن تساولات لم يسألها التلاميذ، ويمنح التلاميذ علماً لم يطلبوه. ولطالب العلم خصال كثيرة تتحقق بمجرد طلبه للعلم، فهو متواضع في طبعه، فضولي في تفكيره، وحريص على تحصيل العلم. يظهر ذلك في كثرة ودقة وصف طلبة العلم في الشعر، لعل أشهرها ما قاله الشافعي رحمه الله:
أخي لن تنال العلم إلا بستة ….. سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ….. وصحبة أستاذ وطول زمان
إشكاليات كثيرة نتجت عن التعليم النظامي الإلزامي الجامد من بينها عدم تقدير بعض التلاميذ للمنظومة التعليمية، الأساتذة والدروس التي تُفرض عليهم. وعدم تقدير قيمة العلم. حتى أن بعض التلاميذ قد يشعر بالتفضّل على والديه أو معلميه لاجتهاده وهو انقلاب لمفهوم طلب العلم. بينما لو كان التلميذ يطلب العلم فستنعكس الصورة وسنرى التلميذ يحترم المعلم باعتبار أن حاجته من العلم لديه، مايستدعي إرضاء المعلم وتحمل قسوته وما قد يبدر منه في سبيل الحصول على حاجته.
في تجربتي في تعليم في مادة العلوم، لكي نُعِدّ درساً عن الدوائر الكهربائية، أو الخلايا الحية مثلاً، كنا نولي أهمية كبيرة لتصميم الدقائق العشر الأولى من الدرس، خلال هذه الدقائق الأولى نحاول طرح ما يثير فضول والتساؤل في عقل الطالب ويحوّله من “مش طالب علم” إلى طالب علم. كأن نطرح مثلاً قضية تهم الطلاب، معضلة أو لغزاً حله يستدعي معرفة العلم الذي ننوي تقديمه. عندها سيرغب التلميذ في معرفة العلم ليشفي فضوله.
رغم هذه المحاولات لزيادة مرونة التدريس وتحسين أنظمة التعليم ألا أنها مازالت هناك حاجة ماسة لتوسيعها أكثر ليصبح للطلاب سعة أكبر في طرح الأسئلة والبحث عن أجوبتها، وطلب العلم بدوافع ذاتية دون الحاجة لدفعهم لذلك.