مواقع التواصل الاجتماعي كانت متنفّساً غير واقعي في السابق، بمعنى أن مرتادي هذه المواقع كانوا يعيشون واقعاً اجتماعياً معيّناً، يمكنهم بسهولة التخلص منه عند ارتيادهم لمواقع التواصل الاجتماعي، يمكنهم اختيار هويّة حقيقية أو مزيفة، يمكنهم اختيار ما يكتبونه بحرية أكبر من تلك التي يجدونها في المجتمع. وهو سبب رواج مواقع التواصل الاجتماعي في الحقيقة.
أما الآن فأنا أعتقد بأن مواقع التواصل الاجتماعي تغيّر تعريفها ودورها بشكل كبير جداً إلى حد أنها أصبحت هي الواقع، والواقع الاجتماعي الذي كان يسمى واقعاً لم يصبح واقعاً بتلك الأهمية، أي أن صوتك، ووجودك غير محسوب بشكل كافٍ إذا لم يكن لديك حساب في أي من مواقع التواصل الاجتماعي، تعريف هذه المواقع اختلف عندما أصبحت تشارك في صنع القرار، وزادت أعداد مرتاديها بشكل هائل، وأصبحت المنصة الأولى للتواصل بدلاً من التواصل المباشر، ولذلك أصبحت هي الواقع..
اختلاف مكانة وتعريف مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى اختلاف تعاملنا معها، في كثير من الأحيان أسمع عن أغلاق أحد الأصدقاء لصفحته على الفيس بوك مثلاً لسبب غير منطقي، وقد شعرت في كثير من الأحيان برغبة شديدة في إغلاق جميع حساباتي في مواقع التواصل، على الرغم من أنني لست انطوائية، بل انني أميل للمشاركة والتواصل دائماً
عندما لاحظت بأن هذا الهروب من مواقع التواصل الاجتماعي ليس في نفسي فقط، وإنما هي رغبة لدى الكثيرين ممن أعرفهم والذين لا أعرفهم فكرت في سبب هذا الهروب.. وعندها فقط أدركت بأن التعريف قد تغيّر كثيراً، وأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي الواقع، والمحرك الأساسي للأحداث..
عندما كان التفاعل المباشر هو الواقع المنتشر كنا نهرب منه إلى مواقع التواصل، وعندما أصبحت هي الواقع أصبحنا نهرب منها هي الأخرى.. فالطبع هذا ثابت، لكن شكله يتغير
لكن لماذا نهرب من الواقع؟
باختصار لأن الواقع أياً كان شكله يفرض التزامات، ويفرض عادات وتقاليد يحترمها الجميع.. وهذا ما تفعله مواقع التواصل أيضاً، في كل مكان نجتمع فيه ننسج عادات وتقاليد جديدة.. حتى مواقع التواصل لها أعرافها، والاختلاف بسيط جداً في مدى الالتزام الذي نبديه في هذه الحالة وتلك..
ونحن نكره الالتزام كثيراً على ما يبدو