نسمع كثيراً عن المتطرّفين، لكنّنا لا نراهم.. أو بعبارة أخرى، لا نجد من يتبنى التطّرف ويعترف بتطرفه الفكري أو الفعلي. وذلك يعود لسببين في نظري، أولهما هو أن المتطرف لا يدرك بأنه متطرف، ولا يرى نفسه كذلك. ثانيهما، هو أن صفة التطرف صفة نسبية يطلقها كل فرد باعتبار أنه يقف في الوسط.. ومادام الأمر بهذه الضبابية، جدير بنا أن نطرح سؤالاً مهماً.. كيف تعرف بأنك لست متطرفاً؟
لنقف أولاً على تعريف التطرف لغوياً واصطلاحياً ليعرف القارئ مرادي، التطرف لغةً من الطَرَفَ، وطرف الشيء هو ناحيته ومنتهاه، والمقصود في المقال هذا هو التطرف في الفكر والفعل، أي الميول لطرف على حساب الطرف المعاكس في الاتجاه، وعكس التطرف هو التوسّط
مشكلة نسبية الوسط هي ما تجعل التطرف نسبياً أيضاً.. هذا إن وجدت نقطة وسط من الأساس! ورغم هذه النسبية في المصطلح، ربما يمكننا الإجابة عن سؤال “كيف أعرف بأنني لست متطرفاً” كالتالي..
- يمكن تحديد الوسط عن طريق تحديد الطرفين المُطلَقين. مثال: الحرية الشخصية، طرفيها المطلقين الذين لا احتمال بعدهما هما: أن للفرد أن يفعل ما شاء بدون قيود. يقابلها أن ليس للشخص حرية في أي عمل مطلقاً، بل عليه أن يكون خاضعاً للقيود التي تفرض عليه. بعد تحديد الطرفين يمكن التماس نقطة المنتصف عن طريق قسمة المسافة بينهما على اثنين.. وبتحديد الوسط والطرفين يمكن تخمين مكانك منهما.
- ثانياً، أعتقد بأنه يمكننا التماس التطرف في الاختيارات شديدة السهولة (سواءً الفكرية أو الفعلية)، باعتبار أن نقطة المنتصف صعبة غالباً. أن يكون أحد متوسطاً يعني بأنه ينقد كل شيء قبل أن يتخذ أي إجراء لكي لا يميل إلى أحد الطرفين. أما أن يكون الفرد متطرفاً فهذا يعني بأنه يتخذ الإجراء بكل أريحية لصالح طرفه. مثال: إذا كان الإنسان متطرفاً يميل إلى التحريم، فإنه سوف يحرم كل شيء بدون نقده. في المقابل، شخص متطرف يُحل كل شيء فلا يعاني نقد الأمور أيضاً. يمكن تشبيه الأمر بجبل عالٍ، القمة نقطة في منتصفه، الوقوف عليها صعب لأن الميلان حادٌ من الجانبين. أما الطرفين فالوقوف فيهما أسهل من شرب الماء. لذلك أعتقد بأن تنازع الأمور في عقولنا ونقد الاختيارات يمكن أن يشير إلى التوسط..
أخيراً، يقودني هذا السؤال إلى سؤال آخر،
هل التطرف عيبٌ، والتوسط جيدٌ بالضرورة؟