دكتورة أمريكية تتحدث مع طالبة عن الحجاب الأفغاني الذي يسمى burka. تقول الدكتورة بأن الجميع يسألها في أمريكا عما إذا كان يفترض بها أن ترتدي هذا اللباس في قطر أم لا، وهي ترد على أهلها في أمريكا باستبعاد (وكأنها تدافع عن قطر) بأنه لا يفترض بها أن ترتديه، وحتى النساء هنا لا يرتدين مثل هذا الحجاب الثقيل .. تؤيدها زميلتي وتنفي انتماء هذا اللباس الثقيل لقطر أو لأي بلاد عربية وتتبرأ منه
تستنكر الاثنتان مدى ثقله .. ويبدو عليهن الرضى التام لوجود نقطة اشتراك بينهما، كلاهما تتعجبان من قدرة المرأة الأفغانية على التنفس وهي ترتديه.. حوار سعيد ومتناغم بينهما، لكنه مبني على خطأ
دخلت في الحوار لأفُضّ التناغم المفتعل بين الاثنتين وقلت: كلا بل نحن نرتدي مثله في بلادنا ! بل وأكثر ثقلاً، التفتت إلى زميلتي وذكرتها بأنني جزائرية وأعرف الكثير من النساء الجزائريات اللواتي ترتدين حجابات ثقيلة جداً تغطيهن من رؤوسهن إلى أخمص أقدامهن .. وفي مصر وفي السعودية مثلهن أيضاً .. وحتى في قطر .. هذا لباس شائع جداً ولا ينفي شيوعه في الدول العربية إلا أعمى أو متحيز!
الدكتورة الأمريكية استغربت من رأيي، وكأنني اعترفت بجرم يجب أن أنكره ، وأخذت تؤكد لي مدى اختلاف الزي الأفغاني عن العربي، وأن الأفغاني أصعب في الارتداء والحركة والتنفس وكأنها تدفع التهمة عني، لكنني أثبتت استنكاري لتفريقهما الكبير بين اللباسين العربي والأفغاني ووضحت لها بأن استنكارهما لذلك اللباس هو استنكار لجزء من ثقافة الشعب ذاته.
تلك الطالبة تخلت تماماً عن الزي فقط لكي تتناغم في الحديث مع الدكتورة الأمريكية، والأمريكية تكاد تزعم بأن الأمريكان يرتدون العاباءات السوداء كما نفعل نحن لكي يستمر الحديث المتناغم. فتارة تحدثنا عن رفضهم للشراب “الخمر” وتارة تبدي إعجابها “المبالغ فيه” بالعباءات السوداء التي نرتديها
هنا اتساءل، هل علينا أن نتشابه لكي نتقبل ونتناغم في حوارنا!
كثيرون يدّعون استيعاب الاختلاف وتقبل التنوع الثقافي والديني والعرقي، بيد أنهم في الحقيقة الأكثر تحجراً وتعصباً لتوجهاتهم وثقافاتهم، لذلك فإن نظرنا بقرب إلى تصرفاتهم لعرفنا أنهم يقبلون التقريب وليس الاختلاف، فتجدهم يحاولون الهروب من نقاط الاختلاف إلى نقاط الاجتماع ليركزوا عليها تركيزاً مبالغاً فيه. من يقبل الاختلاف في الحقيقة هو من لا ينكره أو يهرب منه، بل يظهره ويبسُطه كما هو ثم يقبله على حاله. أما المحاولات الحثيثة للتقليل من الاختلاف فهي في نظري منافية لتقبل الاختلاف بطبيعته التي هو عليها. بل إنني أرى هذا التقريب وجه آخر للتعصب الثقافي.
أنا أبيض وأنت أسود، ليس علينا أن نقنع أنفسنا بأن لوننا رمادي لكي نتناغم. بل علينا أن نقبل الأبيض أبيضاً
والأسود أسوداً. ذلك مادمنا ندعي تقبل الاختلاف طبعا