دائماً أنظر إلى خلق التواضع بنظرة مختلفة عن بقية الأخلاق.. إن ما يميزه هو أنه خلق لا يمكن إطلاقه بسهولة، لأن إطلاق هذه الصفة تعتمد على أمر ليس بمقدورنا قياسه. فالتواضع مبني على إلغاء أو تجاهل التفاضل بين اثنين، احدهما افضل من الآخر حقيقةً. إذا كانت مقاييس الأفضلية الوحيدة التي يمكننا لمسها هي الشهرة، المال، عدد المتابعين في تويتر، … فنحن لم نقترب من المقياس الحقيقي للتفاضل، لأن المقياس الصحيح والوحيد للتفاضل بين الناس هو التقوى، وهو ما لا يمكن معرفته، ولا تخمينه في كثير من الاحيان. ذلك أن التقوى ليست متصلة بشكل مباشر مع أي من المظاهر الخارجية التي نلمسها.
نحن في العادة نطلق صفة التواضع على من لا يستحقها “ربما”، حين نجد فناناً شهيراً يجلس مع شخص فقير لا يعرفه أحد، أو ما شابه. لكن الحقيقة هي أن الشهير هذا لم يقم بعمل يستحق المدح والثناء، كل ما فعله هو أنه عرف قدره! ولم يستعلِ. وهذا تصرّف لا مزيّة فيه ولا تفضّل، وهو ليس تواضعاً.
قد يكون عامي لا يبدو عليه الصلاح أتقى عند الله من عالم في الدين! وبهذا يكون جلوس الاثنين مع بعضهما تواضعاً من الشخص العامي وليس من العالم. ويترتب على عدم فهمنا للتواضع وإطلاق الصفة على من لا يستحقها أسوء مظاهر التكبّر والطبقيّة ، وهي المظاهر ذات الطابع “التواضعي”، تراها في مباركة وتضخيم مواقع التواصل الاجتماعي لتواضع ابن الطبقة الارستقراطية بمصافحته وجلوسه مع الفقير في مجلس واحد.. وكأنهما خلقا للجلوس في مجالس مختلفة.. هذه التبريكات للتواضع المفتعل أكره عندي من الغرور والتكبر العلني