في أحد مقرّرات اللّغة العَربيّة في الجامِعة طَلب منّا الدّكتور تَجهيزَ موضوعٍ قصير نُلقيه أمام الطّالبات؛ لكي يُقيِّم سلامَتنا اللُّغوية، وقوّة أساليبِ الإلقاءِ والخطابة لدى كلّ واحدة منّا.
وعندما كان يوضّح لنا كيفيّة الإلقاء، قال لنا لا بأس بأن نكونَ عفويّين قليلاً أثناءَ إلقائنا، وأن نَعترف للحاضِرين بِما لا نَعرفه حَول الموضوع الذي نتَحدث عنه، ثم ضَرب لنَا مثالاً كأن نَقول: “لَم أّجهِّز ما سَأقوله لكم اليَوم، لأنّني سأتحدّث بعفويّة مِن قَلبي إلى قلوبكم … ” لكي نُبيّن للحضور عَدم إحاطتِنا بالمَوضوع مِن كافَّة نَواحيه. المُهم ..
فإذا بجميع الطّالبات مُنذ أن بَدأت العُروض إلى أن انتهت يستهلّون عُروضهُن بِقول: “لَم أّجهِّز ما سَأقوله لكن اليَوم، لأنّني سأتحدّث بعفويّة مِن قَلبي إلى قلوبكن ” عجباً! هل عليَّ أن أصدّق بأن جميع الطّالبات لم يجهِّزن مواضيعهن! رُبّما كُنت سَأفعل لولا أنَّهن يَقرأن مواضيعهن مِن الوَرق ! ..
لا أعرِف مَدى إحباط الدُّكتور بَعد ما رأى من ضَحالة الحسّ الإبداعيّ لدى طالباتِه .. كلُّ ما أعرفه هُو أنني حِينها شَعرت برغبَة عارمة في أن أستهلّ إلقائي بِقول: “لم أنَم اللّيلة الماضية وأنا أجهّز ما سأقوله لَكم اليَوم .. لأنَّني لن أتحدّث بعفويّة مِن قَلبي”