طابت جمعتكم..
بمناسبة خبر ترجمة الخطبة في الحرم والذي لا أعرف مدى صحته، وأتمنى أن يكون صحيحاً.. كنت قد كتبت هذا الموضوع منذ فترة ولكنني لم أنشره..
♦♦♦
سيسجل التاريخ انحطاط منابرنا، وربما ستكون خطبنا البالية هذه مدعاة للسخرية في المستقبل. ففي أحداث ومآسي غزة، سوريا، الصومال، بورما، وغيرها… ، ينتظر العالم أجمع خطبة الحرم الشريف، ليخرج لنا إمامنا بخطبة بليغة منمقة بالسجع والمحسنات البديعية وكأنه يلقيها على عرب الجاهلية، يعجز المعجم عن فك طلاسمها. وبعد تركيز شديد في المعاني وجلوس مطول أمام شاشة التلفاز مع معجم بين يديك، تكتشف بأنك تستمع إلى خطبة تتحدث عن أهمية الصدقة! الصدقة يا شيخنا الكريم! هل هذه هي الكارثة الأكبر التي نمر بها الآن!
منبر الجمعة يجب أن يكون مصدراً لخطب تخص الواقع الذي تمر به الدول الإسلامية، يجب أن يكون المنبر ملجأ المسلمين في كل أسبوع، يجسد همومهم، يحل مشاكلهم، ويناقش قضاياهم. يكاد الأئمة اليوم من قدم خطبهم يتحدثون عن الفيئ والجزية! وكأنهم يكررون خطباً قيلت في زمن الخلافة، فتجد في الخطب كلمات نُسيت وماعدنا نستخدمها، حتى أنك قد تتوهم بعد انتهاء الخطبة بأنك ستخرج لتجد إبلاً وقوافل قريش تمر عند المسجد.
الأدهى والأمر، هو أن إمامنا، عندما يقرر أن يتحدث عن موضوع يناسب زمننا، وبعد أن يختار موضوع خطبته بدقة، يخرج لنا بخطبة عن حجاب المرأة، استخدام المرأة للإنترنت، عمل المرأة، دراسة المرأة، سياقة المرأة، خروج المرأة، أحكام المرأة! وما نتج عن المرأة من مفاتن ومفاسد …
تحدث خطيب الجمعة وياليته سكت! تراه يتهجأ الكلمات المكتوبة على تلك الورقة كما كنا نتهجؤها في الإذاعة المدرسية، أمام جمع غفير من المسلمين!.. كيف يسمى الخطيب خطيباً وهو لا يجيد الارتجال وفنون الإلقاء! ومنذ متى يقرأ الخطيب خطبته من ورقة! أولم يكن منبر رسول الله يهتز من قوة كلماته وعلو صوته وجزالة ألفاظه صلى الله عليه وسلم!
ذاك هو المنبر يا سادتي الكرام، وإلا فلا حاجة لنا به
فقط اقرأوا تاريخ المنبر لتعرفوا مهزلة منابرنا.. فربما نكون قد نسينا معنى المنبر، نسينا مدى أهمية المنبر في نهظة الأمة. ولا لوم علينا إذ نسينا مكانته بعد أن عُطل دورة وأصبحت مواضيعه تقتصر على أهمية الصدقة والصلاة والتسبيح ….. أو مشكلات المرأة مثلاً! لتصبح خطبة الجمعة شيئاً من الطقوس الأسبوعية التي لا دور لها في الإصلاح، والتقويم، يتثاقل الناس لحضورها. اقرأوا تاريخ المنبر ياسادتي الكرام! لتعرفوا جماله بعد أن أصبحنا لا نرى له جمالاً، سوى في الفسيفساء والذهب المرصع الذي يزينه.
في بعض الأحيان أفكر وأتساءل في نفسي..
ماذا لو كان مستوى المنابر يواكب متغيرات الزمن الذي نعيشه! ويرقى ليُلبي حاجات المسلمين وأجناسهم وأطيافهم وكثرتهم!
ربما كانت ستكون خطبة الجمعة في الحرم مترجمة لكل المسلمين الموجودين بدل أن تكون باللغة العربية فقط!
ماذا لو استخدمت طرق عرض جديدة ومؤثرة في الخطب مثلاً!
لماذا يجب أن نتوقف وكأننا مازلنا في السنة الأولى للهجرة!
لكن كل أفكاري تلك تتلاشى في يوم الجمعة، عندما أرى الأئمة يقفون على منابرهم بكل ثقة يقرءون خطبهم من أوراق.