في الإنسانية

هل حقاً الإنسان إنسانيٌ؟ وهل يصحّ أن يكون غير ذلك؟

عندما ننظر إلى أفعال داعش الإرهابية، التعذيب في سجون أبو غريب، حروب المغول، محرقة الهولوكوست، القنبلة النووية، الأخدود .. وغيرها من الأعمال البشرية الإجرامية الشنيعة المسجلة في تاريخنا منذ أن قتل عمّنا قابيل أخاه هابيل، فإننا ننعتها بالإجرامية واللاإنسانية، ودائماً نقوم بِشَجبِها واستنكار صدورها من بني الإنسان! .. وفي مؤسسات حقوق الإنسان ننادي دائماً بالعودة إلى الإنسانية، وتحكيمها في كل مُتنازع.

لنفكر قليلاً في مصدر كلمة الإنسانية التي ننادي بها.. ونتساءل هل تصرفات الإنسان الشريرة الخارجة عن المألوف تخرجه من نطاق الإنسانية؟ إذا افترضنا بأنها فعلاً خارجة عن المألوف (كتلك التي ذكرتها في بداية المقال) ..

لكن ألسنا الذين نُعطي لكلمة “للإنسانية” معناها، ونحدد ماهيتها بأقوالنا وأفعالنا وطبيعتنا خيرها وشرها! مادام مصطلح “الإنسانية” مشتق من كلمة إنسان فإن معناه يتحدد طبقاً لصفات هذا الإنسان، وليس العكس صحيح، كيف يكون المجرم غير إنساني وهو إنسان! .. هل يقتل القاتل حين يقتل وهو شيء آخر غير الإنسان! هل يقتل القاتل وهو يقتل وهو شيطان أو حيوان مثلاً.. أليس القاتل أثناء قتله إنسان بكل ما تحويه الكلمة من معنى!.. إذاً كيف نقول بأن هذا عمل غير إنساني لمجرد كونه مُضِر! إننا بناء على ما اصطُلح على معناه في كلمة “الإنسانية” ، نستطيع القول بأن الإنسانية ليست إنسانية كما كنّا نعتقد!

ربما نريد باتفاقنا على اقتصار الأعمال الخيرة في الاصطلاح المأخوذ من اسمِنا، أن نجعل أنفسنا بعيدين عن حقيقة طبيعتنا وخامتنا بجميع وجوهها، نحن نكره عيبنا وضعفنا ونقصنا، ونتملص من صفاتنا التي لا تعجبنا فننسب الأفعال الخيرة لأنفسنا ونبرأ من الأفعال الشريرة الضارة.. (بغض النظر عن جدلية أصلية الخير والشر أو تمحّضهما).

لا إنسان يستطيع الخروج من إنسانيته.. ولا إنسان يمكنه خرق قوانين الطبيعة ليصبح مسخاً عديم المشاعر، لا يكترث بالدماء ولا بالدمار..لذلك فإن القسوة و القتل عمل إنسانيٌ منطقياً، لأنه لا يخرج الإنسان من طبيعته مهما بلغ من “عدم الإنسانية”

أفترض بأن هذا الفهم المنحاز للإنسانية تسبب في مشكلة نفسية عميقة لدى البعض، عند رؤية الحروب والأعمال القاسية تصدر من الإنسان يُصاب البعض بصدمة تصل بهم إلى اليأس والقنوط، والنظر إلى الواقع بنظرة سوداوية قاتمة، وتصل بهم إلى ارتكاب خطأ كبير وهو انتقاص “الزمن” وتجريد العالم من الإنسانية والخير، وهذه في نظري ليست إلا نظرة ساذجة يستطيع معتنقها أن يتخلص منها بقراءة القليل من كتب التاريخ.

من المهم جداً أن نفهم ذواتنا، وأن لا ننظر للأمور بنظرة مثالية ساذجة، لأن ذلك ينعكس على اعتقادنا وفكرنا.

أضف تعليق