اثنا عشر عاماً

ندخل إلى المدارس لأول مرة في سن السادسة، ونتخرج منها في سن الثامنة عشر على الأقل. لكن هل أجدت دراستنا طوال هذه المدة في المدارس نفعاً في واقعنا! في فِكرنا! في ثقافتنا! وفي تعاملاتنا وأخلاقنا؟
اثنا عشر عاماً من الدراسة والتعلّم لم تجعلنا علماء، ولم توصلنا إلى القمر، ولم تعلّمنا كيف ننهض بأمّتنا. لم تعلّمنا حتى كيف نفهم الآخرين، كيف نفكر، كيف نحافظ على مبادئنا، كيف نحترم الآخرين، كيف ننظف بيئتنا، كيف نعبر، …إلخ !
والدليل هو أننا نرى طلاباً في الجامعات مازالو لايحترمون نظافة الأماكن العامة، مازالو يكذبون، مازالو لا يعرفون مبادئ التعامل والإحترام…! وحتى من النّاحية العلمية، مازالو لا يعرفون أبسط قوانين الرياضيات، لا يعرفون الخرائط، لا يجيدون التحدث باللغة العربية الفصحى، لا يجيدون التحدث باللغة الإنغليزية، لايجيدون استخدام الحاسوب، لا يجيدون كتابة البحوث،… ! بعد اثنا عشر عاماً من التعلّم.. إذاً أين الخلل!

BeFunky_hgv1.jpg
من كتاب أختي الصغيرة، “الرجاء نقل” وليس “كتابة”

في المدارس عندما يسأل الأستاذ سؤالاً، على جميع الطلبة أن يجيبوا الإجابة ذاتها، وإذا أجاب طالب إجابةً من قناعته الخاصة أو من تفكيره فسيخصم من درجاته لأنه لم يجب الإجابة المطلوبة، عليه أن يجيب كما يفكر الأستاذ، أو ربما كما يقول الكتاب.. لا كما يفكر هو! ويفضل أن لا يفكر أصلاً

ولقد أظهرت دراسات أن نسبة الإبداع الفطري عند الأطفال هي 90% قبل الدخول إلى المدرسة، حتى إذا دخلوا إلى المدرسة في السنة السابعة تنخفض تلك النسبة إلى 10% ، ثم تصل إلى 2% في السنة التي تليها ثم تثبت.

في أحد الأيام في إحدى المدارس في إحدى الدول، كنت عندما أسأل المدرسة عن نقطة من نقاط الدرس غالباً كانت تجيبني بتلك الإجابة المتشنجة “لن يدخل هذا في الامتحان. تلك الإجابة أصابتني بالجنون، فقد كنت أشعر بأنها استخفت بعقلي.
في مرة من المرات ومع مدرسة أخرى، ذكرت المدرسة ثلاثة شروط لجواز إقامة المسلم في بلاد غير إسلامية، سألتها
ماذا لو كان أصل مسلم من بلد غير إسلامي، هل عليه أن يغترب عن بلده ليعيش في بلاد إسلامية!
-نعم عليه أن يغترب
-إذا فعل ذلك كل مسلم فلن يبقى مسلمون مواطنون في تلك البلاد!
-سمية كفي عن النقاش، هذا غير مذكور في المنهج

أنا واثقة أن هذه ليست الأمثلة الوحيدة، فهذا الأسلوب هو المعتمد من قبل الكثير من المدرسين، وهذا ما عنيته بقولي “يفضل أن لا يفكر أصلا”

لماذا نختبر في المدارس في عدد كبير من الدروس مادام الجميع متأكدون تماماً أننا سننسى ما ذاكرناه بمجرد خروجنا من قاعة الاختبار؟
لماذا على الطالب أن يجيب كما يجيب الجميع، ويتحدث كما يتحدث الجميع ويلقن المعلومات حتى وإن لم يكن مقتنعاً بها؟
لماذا على الطلاب أن يجلسوا على طاولات وكراسي خشبية والمدرس يكتب على اللوح بالطريقة المملة تلك لمدة اثنا عشر عاماً؟
لماذا لا يستفيد الطلاب مما درسوه في المدرسة في حياتهم اليومية وفي معاملاتهم؟
لماذا جيل المتعلمين “المتخرجين من الثانويات” الكثير منهم غير مثقفين أو واعين؟

إجابة هذه الأسئلة جاءت على لسان “نيل جايمان” حين قال:

borderf-Copy

تومس اديسون، الأخـوان رايت، البرت انشتاين، إسحاق نيوتن وغيرهم من العباقرة والعلماء كلهم لم يكملوا تعليمهم في المدارس كجميع الطلاب، حتى أن بعضهم لم يكمل المرحلة الابتدائية. هؤلاء الأشخاص كانوا عباقرة، لذلك فإنهم لم ينتظروا انقضاء اثنا عشر عاماً في المدرسة ليكتشفوا أن المدارس لن تجدي نفعاً.

لكن وبعد أعوام من التعليم الجامد، مؤخراً في بعض الدول المتقدمة وأخيرا تغير نظام التعليم للأفضل، واكتشفت وزارات التعليم أنهم يهدرون اثنا عشر عاماً من حياة التلاميذ ليحصلو على نتيجة لا تستحق كل ذلك الزمن من التعلّم، فأصبحوا يستخدمون أساليب جديدة تنفع الطلاب وتعلمهم ما يجب أن يتعلموه بطريقة أفضل.

في الختام أعتقد بأن هذا المقطع القصير من أجمل ما رأيت في التعبير عن قسوة وغباء التعليم التقليدي المتحجر

(2+2=5)


في الهامش: قد يتساءل شخص لماذا يتضمن عنوان التدوينة +18
الإجابة هي أن كلامي ليس موجه إلى طلاب المدارس ذوي 18عاماً، فأنا عادةً لا أقول هذا الكلام أمام أختي الصغيرة

أضف تعليق