الخمسة

خمسة في عينيك ” كما تقال في الجزائر ، أو “خموس عليك” أو “خمسة وخميسة ” كما تقال في مصر وغيرها.. هي كلمة يقصد منها الوقاية من الحسد والعين، ورمزها نعرفه جميعا، ألا وهو كف مبسوطة، يرسم في نصفها عين زرقاء اللون عادة وليس دائما.. نراها كثيرا في الاكسسوارات، التحف، الأشياء التذكارية.. أو على جدران المنازل الجميلة ..! كثير منا لا يعرف أصلها، و لماذا اختير الرقم خمسة بالذات ! لماذا ليست ستة أو أربعة مثلا !
ولماذا الكف ! أثار فضولي هذا الموضوع كثيرا، فبحثت فيه ثم قررت أن أنشر ما وجدت من معلومات في مدونتي لعلي أشفي فضول غيري ممن يحبون هذه المواضيع  (:

في السابق كنت أظن أن هذه الكف خاصة بالمغاربة فقط _الجزائر، تونس والمغرب_، لكنني اكتشفت أن لديها علاقة بالمشارقة أيضا .. ثم وجت أن لها تاريخا طويلا لا يخص المسلمين فقط بل لها علاقة بحضارات مختلفة لم تكن لتخطر لي على بال، وقد فسر هذا الرمز تفسيرات كثيرة فقد نسبت إلى يد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، في حين نسبها اليهود إلى يد مريم عليها السلام، وسأذكر في ما يلي بعض الاعتقادات التي قرأتها بخصوص الكف وأصل وجودها..

يعتقد الكثير أن القصد من الكف المبسوطة “الكف” أو المنع ، أي منع الحسد والعين، بسبب التشابه اللفظي بين الكلمتين في اللغة العربية أي أن الكف تكفي شر العين والحسد !

ومنهم من يعتقد أن العين الحسوده مدوره مثل الرقم 5 بالأرقام الهندية ( أو العربية كما يسميها البعض ) أي أن الرقم خمسة يسد عين من يحسد

يعتقد آخرون من المسلمين أن الخمسة أصابع تدل على أركان الإسلام الخمس

بينما يعتقد بعض الشيعة أنها تشير إلى أهل الكساء الخمس عليهم الصلاة والسلام (محمد ، علي، فاطمة ، حسن، حسين)

أما اليهود فيعتقدون أنها تشيرإلى كتب التوراة الخمس (أسفار موسى)60296916_port_said_www.ward2u.com

ومن المعتقد أيضا أن الشعوب السامية التي سكنت أطراف البحر المتوسط هي التي رسمت الكف الذي يحمل العين الزرقاء بهدف ترهيب الرومان الذين استعمروا بلدانهم في حقبة من التاريخ، و ربما كانت العيون الزرقاء هي الصفة التي ميزت الرومان عن الشعوب المستعمرة آنذاك ،، فكانوا يحملون عصا وفي أعلاها ذلك الرمز المخيف الذي يهدد باقتلاع أعينهم أو يكتفون بإلصاقه على أبوابهم . وفيما بعد أصبحت رمزاً للحماية من كل شر

ولعلماء الآثار وجهة نظر أخرى فهم يرون أن منشأ جميع تلك الإعتقادات لدى الديانتين يعود بجذوره إلى الفينيفيين حيث كانوا يقدسون تانيت آلهة القمر الحارسة في مملكة قرطاج بذلك الرمز. فالدائرة في وسط الكف ترمز للقمر

على كل حال يوجد الكثير من التفسيرات لها

ولكن أعتقد أن التفسير الأكثر شيوعا، وعقلانية أيضا هو ما قاله الشيخ أبو بكر الجزائري في هذا الموضوع، في تفسيره لسورة الفلق ذكر الشيخ أبو بكر أنها تقي من العين والسحر، لذلك يقرأها الناس لتقيهم ذلك،
وبما أن سورة الفلق تتكون من خمس آيات، استغنى الناس عن قراءة السورة واستبدلوها بقول “خمسة وخميس، أو خمسة في عينيك” أو بالإشارة بالكف يقصدون سورة الفلق، ثم ما لبثت أن أصبحت الكف هي وسيلتهم الأولى في الوقاية من الحسن والعين فأصبحوا يكتفون بتعليقها في أعناقهم، وعلى الجدران …، اعتقادا منهم بأنها تقي من العين، ونسي الكثيرون أصل هذا الرمز، ولماذا يعتقدون بأنه يحميهم من العين !

يبقى التساؤل هنا، إذا كانت الكف موجودة قبل وجود الإسلام نفسه هذا يعني أنه ليس لها علاقة بأركان الإسلام أو سورة الفلق أو المسلمين أنفسهم، وأيضا إذا كانت قبل وجود الديانة اليهودية فهذا يعني أنه ليس لها علاقة بكتبهم الخمسة (كتب التوراة)
وعلى كل حال فإن فترة ظهورها ليست ثابتة تاريخيا لذلك لا يمكننا أن نحكم
لكنني لاحظت أن الكف أو “الخمسة” لديها مصطلح وحيد _أو على الأقل لم أجد غيره في الانترنت_ في اللغة الإنغليزية وهو (Hamsa) على وزن كلمة خمسة واللاتينية كما نعلم ليس لديها حرف الخاء لذلك استبدل بـ(H)  وهذا هو الاختلاف الوحيد بين الكلمتين العربية والانغليزية، أي أن أصل الكلمة عربية، لذلك أعتقد أن الكف وجدت عند العرب قبل وجودها عند العجم
هذا ما جعلني أرجح كفة تفسير الشيخ أبو بكر الجزائري على بقية التفاسير، لأن تفسيره متعلق بالعرب بطبيعة الحال، فهم الذين كانو يقرؤون سورة الفلق، أعرف أن سورة الفلق ليست خاصة بالعرب، لكن من المؤكد أن الذين يتحدث عنهم الشيخ أبو بكر هم عرب، أو ناطقين باللغة العربية لأنهم يقرؤون سورة الفلق

الكثير من الأمم الأخرى يعتمدون أساليب مشابهة نوعا ما للوقاية من العين كما قرأت في ويكيبيديا،
فالأشوريون مثلا “يقومون بإرتداء قلادة مصنوعة من الخرز الأزرق أو الفيروزي اللون لحمايتهم من العين”

إذا فللون الأزرق علاقة بالموضوع أيضا !

هناك من يتشاءم من اللون الأزرق مثل الشعوب السامية السابق ذكرها ..
“اختار قدماء المصريين اللون الأزرق بالذات لكرههم له، والسبب أنّ غزاتهم من الهكسوس ومن ثم اليونان كانوا يملكون عيونا زرقاء، فأصبح اللون الأزرق رمزا للشؤم، وحتى عندما يأتيهم خبر سيئ كانوا يقولون: يا دي النيلة (درجة من درجات الأزرق)”

وهناك من يعتقد أن لكل لون طاقة مختلفة و للون الأزرق طاقة تحمي من العين والحسد،،
” في كثير من الثقافات المتنوعة يعتبر الأزرق بأنه يبقي الأرواح الشريرة بعيدًا، وكذلك الغباء ، وسوء الحظ
ففي تركيا مثلا يشتهر الخرز الأزرق والذي يسمى عندهم بـ”نزار” يعلقونه في أعناقهم وفي السيارات و…إلخ
” أما أسطورة أو بالأحرى بدعة الربط بين الخرزة الزرقاء ودفع الحسد فتعود إلى الفراعنة حيث يُحكى قديماً أنهم أمنوا بكون الحلي المصنوعة من الخرز الأزرق لها قوى وآثار سحرية تقي مقتنيها من السحر والحسد والأمراض إلى جانب وظيفتها في الزينة.
“وسر أهمية اللون الأزرق والذي يرمز للإله رع عند المصريين القدماء فتعود لارتباطه بزرقة السماء حيث كانوا يعتقدون أن الآلهة تعيش فيها وتحمي الإنسان وتباركه”

وغيرها الكثير من الأمثلة الأخرى التي لا يسعني ذكرها هنا

نعود إلى موضوع الكف، أو الخمسة ..

أما حال “الكف” الآن فقد تغير كثيرا، بعد أن دخلت إلى عالم الموضة من أوسع أبوابه، أصبحنا نجدها بكثرة في الاكسسوارات الحديثة، الحقائب، والتحف والملابس.. حتى أننا نراها في الوشوم،، وغيرها الكثير! هكذا مزجت الإعتقادات والتقاليد القديمة بالموضة العصرية لتنتج منتوجا جديدا ليس له علاقة بالاعتقادات السابق ذكرها
فمن الواظح أنه لا نكاد نجد من يعتقد بتعليقها واقتنائها اعتقادا معينا..
وأغلبية العوام الآن يعلمون جيدا أن الكف لا تقيهم بردا ولا غبارا..
لتصبح الكف الآن مجرد رمز للزينة نراه في المحلات التجارية
يقتنيها السياح كرمز تقليدي لا يعني لهم شيئا

آمل أن تكونوا قد استمتعتم بقراءة هذه المعلومات كما استمتعت أنا بالبحث عنها
وتذكروا جيدا أن الكف أو العين الزرقاء لا تسمن ولا تغني من جوع ، فلا مانع لقضاء الله إلا الله
والاعتقاد بمثل هذه الخرافات شرك لقوله ﷺ : “من تعلق تميمة فقد أشرك”

أما حكم تعليقها كزينة واكسسوارات فقط _اتباعا للموضة السائدة_ فأنا لا أعرفه (:
ولا أريد أن أتطرق إليه لأنه قد يتطلب كتابة تدوينة أخرى كاملة :/

سلام ‹♥›

أضف تعليق